ملتقى عمون للأدب والنقد يحتفل بإشهار وتوقيع رواية الكاتبة تبارك الياسين “وشهقت القرية بالسر”

ملتقى عمون للأدب والنقد يحتفل بإشهار وتوقيع رواية الكاتبة تبارك الياسين “وشهقت القرية بالسر”

محليات الاخباري

تصوير – اياد صبحا

اقام ملتقى عمون للأدب والنقد ممثلاً برئيسته الكاتبة صباح المدني حفل إشهار وتوقيع رواية الكاتبة تبارك الياسين “وشهقت القرية بالسر” حيث رحبت السيدة صباح المدني بالكاتبة تبارك الياسين وبالضيفة الدكتورة فاطمة الزغول والحضور الكريم
وقدمت الدكتورة فاطمة الزغول ورقة نقدية في الرواية.كما قدمت الدكتورة شفاء المستريحي مداخلة ضمت رأيا نقديا أيضا.
ادار حفل الإشهارالأديبة إنعام القرشي.
وفيما يلي نص الورقة النقدية للدكتورة الزغول:

خفة التناوب السردي في رواية ” وشهقت القرية بالسر” للكاتبة تبارك الياسين

فاطمة الزغول

تُعَد الرواية من أكثر الفنون السردية قدرة على استيعاب المخزون الأيديولوجي لدى الكاتب، زمانًا ومكانًا وأحداثًا، إذ بإستطاعة الراوي أن يجسد الأحداث التي تشكلت في عدة عصور زمنية، ويتنقل بين هذه العصور بكل خفة ورشاقة، دون أن يشعر المتلقي باي فجوة أو فراغ زمني بين الأحداث ، وكأنه يتنقل داخل قرية صغيرة ، متعددة التضاريس ، يصعد جبلًا ، ثم يهبط واديًا ، ويستريح بعد ذلك على سطح تلة.

نسجت الكاتبة تبارك الياسين روايتها التاريخية الأولى المعنونة ب (وشهقت القرية بالسر) من الأحداث التي توالت على منطقة الأردن  وفلسطين، من خلال التنقل عبر العصور التاريخية ، ما بين زمن الأساطير الكنعانية القديمة ، وزمن خرافات القرى والبوادي في العصور الوسطى ، إلى الزمن الحاضر بما فيه من أحداث ومفارقات ، موظفة تقنية  السرد التناوبي ، إذ انطلقت من العاصمة عمان في العصر الحاضر لتبحر عبر المخطوط – الذي اشترته الراوية رنا من ذاك الرجل الفقير – إلى العصور التاريخية المختلفة ، التي مرت على هذه البلاد.

اختارت الكاتبة عنوانًا مميزًا لروايتها ، يحمل بعدًا دلاليًا حدثياً عميقا، فجسدت القرية بصورة امرأة شهقت أنفاسها بالسر، مستخدمة الزمن الماضي ، ما يشير إلى ما تعرضت له هذه القرية من مخاوف منعتها من الشهيق علنًا، فالفعل شهق يدل على عملية سحب العنصر المسبب للحياة، ومقاومة الموت، لكن القرية تقاوم لاستعادة حياتها بالسر، فهي لا تقوى على مجابهة الضغوط التي تحاول قتلها علنًا .

كما تشكلت العتبات من لوحة لقرية غير واضحة المعالم  في الواجهة الأمامية للرواية ، تتداخل فيها العمارات القديمة والحديثة ، ويلفها الضباب الذي يزيدها غموضًا ، أما الواجهة الخلفية للرواية ، فتحمل نصًا لوزير الثقافة الفلسطيني يشجع فيه على الكتابة ، ويوضح أثرها في الحفاظ على الهوية الوطنية في فلسطين.

تدور أحداث العنصر الحكائي في الرواية حول فتاة عشرينية  اسمها رنا تعيش مع أسرتها في عمان، اشترت مخطوطًا قديمًا من أحد الفقراء، كان يعرضه على صاحب المكتبة التي كانت تشتري منها الصحف اليومية، والذي أدار للبائع الفقير ظهره ، ولم يعره اهتمامًا ،  فقامت الفتاة بشراء ذلك المخطوط بما كان بحوزتها من مال حصلت عليه من والدتها لشراء حذاء تلبسه في حفل زواج ابنة خالتها، لكنها فضلت شراء المخطوط الذي وجدت فيه ما يثير فضولها المعرفي وحبها للقراءة ، وعند تصفح المخطوط وجدته يجسد تاريخًا طويلًا لارتباط الإنسان بالمكان ، الإنسان الذي عاش على هذه الأرض التي رمزت لها الكاتبة بقرية الشقلوب ، والتي قاومت الغزاة  العبرانيين منذ عهد الأساطير الكنعانية القديمة ، إلى  الزمن الحاضر .

تناوب على سرد أحداث الرواية ثلاثة من الرواة، أولاهم رنا الشخصية المحورية في الرواية ، والراوية الأهم في تنظيم أحداث الرواية ، وثاني الرواة هو الصبي رجب ، وهو ابن قرية الشقلوب وتاني الشخصيات المحورية في الرواية، كان مولعًا بكشف الأسرار وتتبع الأخبار ، والفترة الزمنية التي عايشها في الرواية ، هي  فترة العصور الوسطى وبداية الاحتلال اليهودي على فلسطين، والراوي الثالث هو صلاح الكنعاني الذي نقل أساطير  العرب الكنعانيين، الذين عاشوا على أرض الأردن وفلسطين فترة ما قبل الميلاد، وقد استغلت الكاتبة شخصية الراوي رجب في نقل رواية صلاح الكنعاني الذي كان يحتفظ بالتراث القديم والكتب التاريخية ويقرأ ما فيها من روايات للصبي رجب، فالرواة جميعهم شخصيات مشاركة في الرواية من الداخل.

تعددت شخصيات الرواية حسب الفترات الزمنية التي جسدتها الرواية ،  وقد شكلت الكاتبة رموز شخصيات روايتها بعناية فائقة ، ووسمتها بأسماء رمزية تتلاءم مع دورها في الأحداث السردية ، فأبرز الشخصيات التي مثلت العصر الحاضر:  الفتاة العشرينية رنا ، ودلالة الاسم من الرنو وهي النظرة العميقة ، ورنا هي الشخصية المحورية والراوي الأول التي تدور حولها الأحداث المفصلية ، فهي التي استخدمت المخطوط للكشف عن حكاية قرية الشقلوب التي ترمز لانقلاب الأحوال في المنطقة بفعل الاحتلال الصهيوني.

أما والدة رنا فقد كان دورها ثانويًا في الرواية ، فهي الأم التي تخاف على ابنتها من فوات قطار الزواج ، كالكثيرات من النساء وتحرص كل الحرص على تهيئة الظروف المناسبة لها لتتزوج، في حين تخالفها رنا في التفكير في هذا الأمر ، وتعتبر الزواج ليس الغاية الوحيدة للفتاة، فهي فتاة طموحة تحب البحث والتقصي والقراءة ، لذا لا تركز اهتمامها على مظهرها كاهتمامها بالقراءة والبحث.

أما الشخصية المحورية الثانية في الرواية رجب، الذي استلهمته الكاتبة من المخطوط ليروي الأحداث التاريخية للماضي القريب في العصور السابقة، وينقل الأحداث التي رواها له صلاح الكنعاني عن الماضي البعيد المتمثل في العصور التاريخية القديمة، ورجب اسم لشهر من الشهور العربية ، يتوافق ومهمته في تجسيد مظاهر الزمان والمكان في الرواية ، وأما شخصية الشيخ الفراج، فهو الذي سيطر على عقول أهل القرية بالخرافات والأكاذيب التي ابتدعها،  كخرافة البئر الملعون ، والوادي الذي لا عودة منه، وكانت مصدقة لديهم لما يحمله الشيخ من دلالة روحية مؤثرة في زمن كثرت فيه الخرافات والأكاذيب ، وقلة المتعلمين ، مقابل التخلف والجهل في تلك الفترة الزمنية ، لكنه في نفس الوقت فرّج العديد من أزماتهم ، كأزمة سلمى وبشير، سلمى التي اتهمتها زوجة خالها بالرذيلة ، وحاول خالها التخلص منها  ليستولي على ميراثها من والدتها، لكن رجب كشف الأمر وأنقذها، فهو الفتى كاشف الأسرار والحقائق ، ومبطل الأكاذيب والأوهام ،وبشير الراعي الذي أحب سلمى ، فساعدهما الشيخ فراج على الزواج الذي رفضه خال سلمى ، ثم وافق مرغمًا.

أما الأستاذ صلاح الكنعاني فهو الشخصية التي مثلت الصلاح والحكمة، فقد كان يجمع كل ما يتعلق بتراث الأجداد وآثارهم، ليحفظ هذا التاريخ من الضياع، ويكون دليلًا على ارتباط الإنسان العربي بهذه الأرض منذ العصور القديمة ، هذا الارتباط الذي حاول الغزاة العبرانيين نفيه، بادعائهم أن فلسطين أرض أجدادهم ، وتاريخها مرتبط بهم، وأنها ليست للعرب، وقد استغلت الكاتبة شخصية صلاح الكنعاني لرواية الأساطير الكنعانية في العصور القديمة، وتتمل شخصيات العصور القديمة براع أيل، الملك ونصف الإله الذي كان يحكم مدينة شكيم ( نابلس) والذي قدم ابنته لايلا فداء لهذه المدينة التي أحبها ، ليحميها من الغزاة العبرانيين ، فلايلا هي ابنة الملك التي ولدتها أمها بعد معاناة وانتظار، ثم ماتت بعد ولادتها، فعاشت مع والدها الملك مدللة ، وأحبت إيبو الفارس الشجاع، لكنها تفاجأت بقرار والدها بتزويجها من الملك ريحو الذي اشترط على والدها الزواج بها لحماية مدينة شكيم من الغزاة، فوافقت لايلا أخيرًا على هذا الزواج رغم حبها لإيبو لتضحي بنفسها مقابل حماية مدينتها التي أحبتها، فتحولت إلى شجرة زيتون ، في حين تحول إيبو إلى طائر لا يغادر أغصانها.

هذا بالإضافة إلى العديد من الشخصيات الثانوية التي وظفتها الكاتبة في نسج الأحداث ، وترابطها ، من أجل اكتمال الأدوار للشخصيات المحورية ، ومن الشخصيات الثانوية أم رجب، وخال سلمى ، وزوجة خالها، وسعيد رفيق رجب، وغيرهم.

وظفت الكاتبة الأسطورة في روايتها ، لتجسد مدى ارتباط الإنسان بالأرض ، ومدى التلاحم الأزلي بين شعوب هذه البلاد، من أسطورة الإله عجالين إله الحب والولادة ، في مدينة عجلون الأردنية، وعشتروت إلهة الخصب والحب عند الكنعانيين والفنيقيين ، كما ذكرت الأماكن بأسمائها القديمة ، مثل جبال عيبال، وشكيم ، وأبلعام ، وغيرها ، لتصور هذا التلاحم الأزلي بين أرض الأردن وفلسطين ، والذي لا يزال يربط بينهما رغم ما فعله الاحتلال اليهودي لفلسطين من تهجير للشعب الفلسطيني، وتغيير لمعالم المدن القديمة، كما صورت حياة القرية الفلسطينية القديمة ، وتأثر الناس بالخرافات والمخاوف ، ومحاولة رجال القرية صد الاعتداءات من الغرباء الذين رمزت إليهم بالخنازير، فوالد رجب اختفى ليكتشفوا في النهاية أنه مات دفاعًا عن بلده، كالكثير من رجال القرية.

عكست اللغة التي وظفتها الكاتبة في الرواية ثقافتها الواسعة ، فرغم تنقلها في الرواية السردية بين العصور المختلفة ، وبين حياة القرية والمدينة، إلا أنها استخدمت لغة رزينة، بعيدة عن العامية ، واستخدمت  الرموز التي تجذب المتلقي ، وتعطيه مجالًا ، للمشاركة في الحدث وتفسيره، فلكل اسم في الرواية دلالة رمزية تعكس بلاغة لغة الكاتبة، وسعة ثقافتها.

راوحت الكاتبة بين أسلوب الحكي وأسلوب الحوار بين الشخصيات، كما ضمنت الرواية مجموعة من الأهازيج الشعبية ، موظفة اللغة الشعرية، لتجعل من الرواية أكثر حيوية وتمازجاً مع الواقع، ونقلت الوصف الدقيق للأماكن والأشياء ، موظفة عناصر البلاغة ، من استعارات ومجاز وتشبيهات ، ومن المقاطع التي تجسد جمال اللغة ودقة الوصف :”كان عليّ قطع كل تلك البرك، وكقط يخشى البلل تجاوزتها للوصول إلى الضفة الأخرى ، إلى الرصيف الذي احتضن الباعة وبضاعتهم، كانت عيناي تلاحقان عناوين الصحف والمجلات والكتب، التي كُشف عن جزء منها بعد أن غطاها الباعة بالأقمشة خوفًا من أن تغدر بهم السماء ، كانت ترتجف كلما هزها الهواء البارد قليلًا ، تبحث عن أيد تضمها لتشعر بقليل من الدفء. انتقلت عيناي إلى الصوت القادم عن يميني لرجل عجوز، قصير القامة، يرتدي معطفًا بنياً داكنًا ، وقبعة روسية قديمة، يحاول بيع بعض الأوراق ، والبائع يرفض حتى النظر إليها” ففي هذا المقطع يبدو الوصف الدقيق للمكان في فصل الشتاء ، والوصف المتعلق بملابس الرجل العجوز الذي يرتدي معطفًا بلون بني داكن دلالة على الارتباط بالأرض ، لكنه حمل فوق رأسه قبعة روسية قديمة ، دلالة على امتزاج الشعوب العربية بالشعوب الغربية ، والتأثر بهم، فلكل كلمة في الرواية دلالتها العميقة.

أما الرؤية التي عكستها الكاتبة على روايتها ، فقد أرادت تبارك الياسين أن توضح مدى الترابط الاجتماعي العميق بين شعبي الأردن وفلسطين ، ومدى ارتباط الإنسان العربي في هذه المنطقة بأرضه التي تمتد جذوره فيها عبر العصور التاريخية القديمة ، فتذّكر أبناء هذا الجيل بأصلهم وحقوقهم  على أرضهم التي سُلبت منهم.

استطاعت الكاتبة أن توضف السرد التناوبي بكل براعة وخفة ، دون أن تشعر المتلقي بوجود فجوة بين الأحداث أو الرواة الثلاثة ، فالتراوح السردي كان سلساً لدرجة التمازج والتلاحم الذي شكلته الكاتبة في نهاية الرواية ، والذي يبدو جليًا في هذا المقطع :”أين أنا؟ هل أنا في حلم؟ أم انني ما زلت أهذي من الحمى التي استقرت داخل جسدي.

يصرخ فتى من بعيد: سعيد انتظرني!

أنظر إلى صاحب الصوت فتى لا يتعدى الرابعة عشرة من عمره ، حنطي البشرة كلون الخبز، يرمي التحية هنا وهناك ثم يصرخ غيظًا ما إن يتلقى ضربة بعصا الشيخ الذي بقربه.

ينظر إليّ بعينين يملؤهما الذكاء ، ثم يفر هاربًا من أمامي لأتباعه.

كان سريعا جدًا ، والكعب العالي الذي انتعله يثقل من خطواتي، لتسقط الدهشة امام ما رأيت.

 اقف بجانب البئر الملعونة بحجارتها السوداء ، اقترب بهدوء نحوها ، يصاحبني الخوف، وشجرة زيتون عملاقة لا ينفك طائر بين أغصانها عن التغريد” فهنا تستعيد الكاتبة أحداث وشخصيات الماضي البعيد والماضي القريب لتمتزج مع شخصية الحاضر ، لتؤكد هذا الترابط والتلاحم بين الماضي والحاضر على هذه الأرض.

وتنهي الكاتبة روايتها نهاية مفتوحة ، فالحاضر لا يزال متعلقًا بالماضي ، وقصة كفاح الشعب الفلسطيني لاسترداد  حقه على  أرضه، لا زالت مستمرة ، ورجب لا زال يردد” يما مويل الهوى

يما مويليا

ضرب الخناجر

ولا حكم النذل فيا”.

وفيما يلي نص الرؤية النقدية للدكتورة شفاء المستريحي:

نظرة في رواية ( وشهقت القرية بالسرّ) للكاتبة تبارك الياسين

بقلم : شفاء مستريحي

تمثل الرواية نوعا من  السرد القصصي يصور شخصيات فردية من خلال الاحداث والافعال والمشاهد، ،  وبما أنها نص نثري سردي فهي بمكونات متفاعلة تمثل وصفا وتفاعلا وتناميا   ووظائف، بما تحمله من الذاكرة أو بما تندمج معه أسطوريا او بما تمثله من الجهد الاخلاقي أو كونها اداة للعولمة،   وللرواية  في بنيتها عناصر الزمان  والمكان والبنية السردية.

تحمل الرواية  ( وشهقت القرية*)  بعدا خفيا  برمزية (المخطوط ) الذي وقع بيد الشخصية الرئيسة  ، وما حملته من الشغف ربما يصب الخيال في عمق الحقائق، رنا فتاة عربية تمثل تطلعا ، فالحقيقة أن الاهتمام بالمخطوطات يكاد يكون حكرا على الغرب، الذين يستمدون منه سحر الشرق، فيداهمون البلاد العربية  بالسيطرة على ثرواته ، وكأنها تبدأ ببث سؤال لكل عربي: لم لا نعتني بمخطوطاتنا، لم لا نعرف شيئا عن ماضينا العريق، وحضارتنا القديمة.( أظن هذه المفارقة الاولى على مستوى الرواية)

وما كان الرجل العجوز والبائع  إلا رمزين  ( المعادل الموضوعي ) الذي يمثل التعالق بين الانتماء والتأثر، من خلال  الزي من معطف وقبعة روسية  إلى احتفاظه بمخطوط، أو ربما يكون هو ذاته التصادم بين الغرب والعرب .

نحن العرب لا نفرط بالمال من أجل ما نعتبره فارغا، كيف تضع النقود مقابل مخطوط،   هي أيضا تستحق الكثير من التفكير في ضوء ما خسرناه نحن العرب عبر الأزمان.

من ناحية أخرى الرواية تدور في صفحات  كأنها ترمز للقرون من القرن الاول إلى القرن الحادي عشر، القرن الأول حمل الزمان  يبدأ بروايته راو آخر ، كتب هذه الامتدادات الزمنية وما حلّ بها من لقطات سردية سريعة،  تبدأ بمشهد بناء القرية الذي سرعان ما أصابه الشرخ بسبب الفتن الذي رمزت لها بالمرأة ( فتاة قدمت إلى القرية اختلف بسببها شقيقان لتختار الأصغر فيما بعد).

وانتهت الرواية بمشهد مفتوح يتيح للمتلقي تعميق النظرة تجاه رسالتها المنبثقة من جادة البحث وضرورة التمسك بالمكان الجغرافي وما يحمله من الرمزية.

ينتظم الزمن في البنية السردية في رواية وشهقت القرية بالسر في تفاعل فني وموضوعي فالبنية رغم واقعيتها  وسيرها باتجاه أحادي  متدفق يتجلى في التعاقب،     يتخلله القفز الحدثي من مكان إلى آخر ومن شخصية إلى أخرى ،  ويمتزج بالزمن النفسي فثمة وعي ووجدان وخبرة محكومة بتجارب الأفراد في الرواية،   فكان الزمن متدرجا من المعرفة المكتسبة فطريا  إلى المعارف المقننة عبر الشخصيات.

كما أن كل ما يحدث داخل الرواية وخارجها يتم عبر زمن ومن خلاله فالزمن محور مميز للنصوص الحكائية بشكل عام وصورة تربط بين المقاطع الحكائية في نسيج زمني،  ويتوفر الزمن في الرواية على استعمال حكائي للزمن في خدمة السرد وهو خاضع لشروط جمالية وخطابية.

نجد أن الرواية  خضعت  للمفارقة الزمنية التي تتجسد بالاسترجاع، فالرواي الأول في الزمن الحاضر والراوي الثاني أيضا يروي في حاضره عن ماضيه، بشكل متدرج،  حققت من خلال هذه المفارقة جانبا جماليا تشويقيا  متماسكا،  وأضفى كسرا للزمن الممتد من وإلى.

الزمن هنا عنصر تنوير  للأحداث الماضية، حصل أن استعانت بها الكاتبة  لاستعادة الحاضر واستذكارا للمشاهد الغائبة   لتوجيه الأهمية إلى الزمان والمكان والشخصيات في ما يسمى بنية سردية.

وتظهر العلائق ضمن البناء السردي بين انتماء أو تنافر أو حياد من خلال علاقة الشخصية وهي لا تخضع إلى معيار ثابت بل ميزانها متغير طبقا للظروف المحيطة.

كيف؟

الصفحة الثالثة مثلا مع شخصية  ( الحاجة صبحة) التي تروي الحكايات الأسطورية المرعبة للأطفال تنهض بفكرة قائمة على القيم الاخلاقية ، فثمة تضافر مع ظروف الشخصية وزمانها الماضي ومكانها القروي.

وفي الصفحة الرابعة ( الصفحة هي عنوان مكرر لكل جز من الرواية)  شخصية الشيخ الفراج ذو هيبة متناسبة مع كونه معلما، وروايا للقصص والحكايات، لكن الحكايات على لسانه تتخذ إطارا مختلفا عن حكايات الصفحة السابقة هي أكثر وعيا، وإن امتدت عين القارئ قليلا يصل إلى مزيد من الوعي مع الأستاذ صلاح الكنعاني   الذي قال ” كل شيء هن يروي قصة، قصتك وقصتي، وقصة من سبقونا على هذه الأرض، في ترابها وشجرها  يختبئ سر وأنت غافل عنه حتى تتكشف لك الحقيقة. ورفع الجرة بين يديه وهمس:

هؤلاء هم سدنة أسرار هذه الأرض.”   يبدو وضحا أن الشخصيات   تنتمي للمكان وتنهض بمسؤوليتها للأحداث بشكل متناسب.

المكان  في الرواية فقد بدأ بسماء عمان ليمتد إلى أراضي فلسطين، كما نفهمه لكنه في الحقيقة مكان واحد قبل حصول التقسيمات ودخول العدوان، فما  يبرز بشكل لافت هو علاقة المكان في بناء الشخصية فهو الحيز وموضع التحرك، حيث إن تجربة الإنسان في وعاء زمكاني  تعتمد على علاقته وميله بعاطفته نحوهما، المكان وعاء حركة الشخصية  قد جاء  متعددا  في الرواية بين الأماكن المغلقة مثل (المكتب    ) والمفتوحة مثل ( البلدة   ) و في نفس الوقت هي اماكن واقعية  لها خصائص واضحة  لتكون معينا للحدث،   وهذا مرتبط بالشخصية في محدوديتها    مثل المكتبة ، انطلاق الحدث كانت  المعرفة الكمنة في المخطوط مغلقة محدودة على من قرأه  فتناسب مع المكان، رغم ما يميل إليه الكثير منا إلى كون المكتبة  عنصر  واسع إلا أنه ضمن سياق حقيقي مغلق محدد ومؤطر.

أما عند الحديث عن القرية وهو مكان  أكثر اتساعا فقد تناسب مع الشخصيات التي تجهل شيئا ما تخاف الاقتراب من المجهول الفضائي البعيد الأفق ( عدتم خائبين الرجاء    ل أرى معكم صيدا سوى أرنب صغير ) إشارة إلى رحلة تفيض بالمغامرة والمغامرة تحتاج اتساعا  على سبيل المثال لا الحصر.

فالمكان  عنصر مهما في بناء الشخصية الروائية لا وجود للشخصية دون مكان هو فضاؤها وحيزها وموضع تحركها،  لا يقل دوره عن الزمان في دراسة البنية السردية لأي عمل،  فتجربة الإنسان مع الزمان والمكان تعتمد على ميل الحس الإنساني نحوهما،  فالمكان هو وعاء تتحرك فيه الشخصية وهو حركة أخذ وعطاء مع الشخصيات وهما في حركة تبادلية من التأثر والتأثير بقدر فعالية الشخصية والاحداث تكون الصياغة فالتأثر بالمكان يعكس على الشخصية والاحداث تشكل الصياغة تتعدى الحدود السطحية إلى أعماق النفس على مستوى الفرد والجماعة.

وتتابع الاحداث والبنى السردية لينشأ الشعور بوجود المكان من خلال براعة الروائي وقدرته على متابعة حركة الشخوص في ثنايا السرد وهذا يحتاج منه إلى إدراك العناصر الداخلية والخارجية.

وقد يلمس المتلقي هذا التكاتف في البنية السردية من خلال التنقل الزمكاني من الحاضر إلى الماضي بتشكيلاته المختلفة.

أما عن العلاقة بين الزمان والمكان في الرواية ، فثمة  ربط بينهما يقود  إلى أن الحديث عن المكان هو استدعاء مباشر للزمان حتى أطلق عليهما ( الزمكان) فالمكان يدرك حسيا والزمان يدرك بصورة غير مباشرة ولكنهما يتداخلان ويتكاملان في الشخصيات والاحداث،  وهذا ما كان واضحا فعند الحديث عن الزمن القديم وبداية البناء تأخذنا الصورة مباشرة إلى الزمن القديم وذاكرة الأجداد  والعلاقة بينهما تنطلق من الأشياء الحاملة لفعل الزمن  مكانا وموجودات وهي نفس المادة التي تدخل في بناء المكان في الرواية  فالزمن يمتد بعيدا في المكان  .

كما أن الشخصية الزمانية ذات بعدين أحدهما مكاني والثاني زماني فالأشياء كائنة في الزمان وتحت سلطة المكان

نستطيع الإشارة إلى أن الرواية حافلة بالزمن المؤثر بشكل فاعل وهو الزمن  اليومي: الذي يحمل مزيتين الأولى تقديم ما يجري في الحياة اليومية من حوادث، وما حصل مع الاطفال والشخصيات ومع الشخصية الرئيسة أو الشخصيات الثانوية الفاعلة  والثاني: جعل المتلقي يربط بين المكتوب وما هو متخيل ذهني رغم واقعية الاحداث لكنها بعيدة عن كثير منا في الواقع المعاصر. الأولى وجدناها في المغامرات التي كان يرويها كاتب المخطوط  والثانية نراها من خلال رنا وما تتطلع إليه في عقلها وخيالها وما تشهده الشخصيات من الأخيلة المرسومة في شخصيات الحكايات المروية من قبل الحجة أو الفراج

نستطيع القول  إن  الحركة هي قوة الخيال لا توجد إلا باستخدام تقنيات التداعي والاسترجاع والاستباق الزمني والوقفات والحذف والمشهد وهذا كان يتوج الرواية ، حتى إن لم يكن واضحا لكنه كامن في طي الرواية فكل  حكاية تقود القارئ إلى استلهام اخرى محذوفة مماثلة أو متخيلة أو مسموعة ، وكل حكاية تتضح بإكمال ما عند أحد القارئين.

لا بد من الإشارة إلى أنه وبالرغم من رشاقة وخفة التتابع السردي في مجمل الرواية، إلا أن الكاتبة عمدت إلى عنصر تبطيء أحيانا بدا   من خلال مشاهد الوصف  أو الوقفة الوصفية  مثلا لا حصرا ” ص 43  ” كان من أبسط المعابد فهو عبارة عن نصب أو حجارة منحوتة منتصبة في العراء، كان يرى فيها المتعبدون مكانا حلت فيه الات الإلهية، وأكثر ما كانوا يختارون لعبادتهم  حجارة الرجوم، ولا سيما تلك التي  راوها ساقطة من الهواء على شكل شهب نارية فيعدونها لذلك هبة سماوية”.

هذه التقنية في موطن استخدامها تعمل على توفير الاستراحة  أو تدفعنا للتأمل  وكشف مشاعر القاص  والانطباع الخاص به عن الموصوف، لكنه ليس تعطيلا للسرد في هذا الموضع بل هو داعم وخادم له. لتتلاءم هذه الفكرة بشكل واضح مع خفة السرد  المطروح قبل قليل.

كما لجات الكاتبة إلى تقنية المشهد التي حققت الانسجام  من خلال الحوار الذي بدا في لرواية بشكل مستمر بشكل مستمر، الحوار يقطع الوصف وهكذا يؤدي التعريف بالشخصيات  ويكشف المستور.

بالتأكيد أدى الحوار ضمن البنية السردية المشهدية دورا فاعلا في إثراء الدينامية والحركية للأحداث.

تستعين الكاتبة بمشاهد حقيقة بصورة بارعة لتعريف المتلقي بالزمن الماضي وما فيها من أبعاد اجتماعية ونفسية .

و حضر الزمن الطبيعي الممثل لليل أو النهار أو الشهور ونحوه تنتقل أثناء ذلك بين الحقيقة والمشهد المتخيل المرسوم في ذهنيتها من خلال  المتوارث.

في نهاية المطاف نستطيع القول إن الروائية وصلت إلى الفكرة وحصلت على انسجام بين ثالوث متكامل  ( مبدع النص والمتلقي والنص )  وتشكلت المعمارية الروائية  بشكل متكامل من خلال العناصر السردية .

نستطيع القول: إن تبارك الياسين بنت عالما خاصا ورسمت واقعا في فترات زمنية متعاقبة حتى إن لم تشر إلى ذلك بشكل صريح.

 

وفي حتام الامسية قامت الاديبة تبارك اليايسن بتوقيع روايتها للحضور