“وتر الشرق”.. فرقة موسيقية تعزف والجمهور يغني – كتب: محمود الداوود

“وتر الشرق”.. فرقة موسيقية تعزف والجمهور يغني  – كتب: محمود الداوود

كتب: محمود الداوود

حين دعتني الأستاذة أسماء جاد الله لحضور حفل لفرقة “وتر الشرق” للمرة الأولي بالنسبة لي، كان الحفل  احتفاء بصاحب الصوت الذهبي صباح فخري، ولم أتمكن من الذهاب وقتئذ لانشغالي، وأبدت أسماء استياءها المحبب، لأنه فاتني الكثير، فقلت لها سأعوض ذلك في الحفل القادم بإذن الله.

وجاء موعد الحفل الآخر وكان احتفاء بكوكب الشرق أم كلثوم فالفرقة معتادة على إقامة حفلاتها في أول كل خميس من بداية الشهر الميلادي، مع إمكانية تأخيره عدة أيام إذا تطلب الأمر لظرف ما.

عموما قررت الذهاب هذه المرة وقلت لا بد لي أن أتعرف على هذه الفرقة وماذا عساها تقدم، وفعلا لم أصدق أنني أستمع الى فرقة اتخذت من الطرب أسلوبا لها ومنهجا، عزفا وغناء.

أجمل ما في حفلات فرقة وتر الشرق أنها لا تعتمد كثيرا على المطربين إلا نادرا لأنها تعزف والجمهور هو المطرب، نعم الجمهور، وبصوت واحد الكل يغني ويتابع كلمات الأغاني من خلال صفحات الفرقة على مواقع التواصل، فالفرقة تعزف والجمهور يغني في جلسة طربية نادرة، فقد يلجأ بعض كبار الفنانين الى السكوت وينقل الميكرفون الى الجمهور ليغني مقطعا ما وبدون موسيقى، لكن “وتر الشرق” تمنح الجمهور فرصة أداء الأغنية كاملة وهي تعزف للجمهور.

الخميس 7-9-2023 كنت مدعوا لحضور حفل جديد لفرقة “وتر الشرق” وهذه المرة مع مجموعة من الأغنيات الطربية الرائعة، وأرسلت لي أسماء جاد الله البطاقة الكترونيا، وطبعا أسماء تقدم للفرقة الخدمات اللوجستية – إن جاز التعبير- مع مجموعة رائعة من المشاركين في احتفالات الفرقة، فذهبت الى موقع الاحتفال وهذه المرة كان الحفل في المبنى الثقافي الرياضي في جمعية الثقافة والتعليم الأرثوذكسية، والحقيقة أنني فوجئت بالمسرح الكبير والرائع والمجهز بكل أدوات المسرح، وتساءلت في نفسي لماذا لا تتم الاستفادة من هذا المسرح في العديد من المناسبات؟

دخلت المسرح وبعد الترحيب المعتاد من الشباب عند المدخل وسؤالهم عن التذكرة ببشاشة وابتسام، وبعد أن أظهرت لهم البطاقة من خلال الهاتف، كانت أسماء ترحب بي فاقتادتني الى مقعدي، فكل شيء مرتب ومنظم و(أرقام الجلوس) سليمة وكل شخص يجلس في مكانه.

كان الحفل على وشك البدء وكان موعد البدء الساعة الثامنة والربع مساء، وعند تمام الوقت بدأ الحفل، وكانت البداية مع معزوفة “أهو ده اللي صار- لسيد درويش”، ثم اعتلت مقدمة الحفل “رفاه جواد” خشبة المسرح لترحب بالحضور وتتحدث عن مجريات الحفل، والحقيقة تقال أن رفاه كانت مجيدة في تقديمها ومتألقة، فمخارج الحروف واضحة وسليمة، مع حسن ترتيب الكلمات والجمل والوقوف بمواجهة الجمهور بثقة واقتدار.

وتواصل الفرقة بعد ذلك تقديم معزوفاتها الموسيقية بإتقان وروعة وتوزيع موسيقي جميل بين الآلات، وقد قدمت الفرقة موسيقى الأغنيات التالية أسماؤها: (أول مرة تحب يا قلبي- عبد الحليم حافظ)، (أنا قلبي دليلي- ليلى مراد)، (أهواك- عبد الحليم حافظ)، (أنا قلبي إليك ميال- فايزة أحمد)، ثم مقطوعة موسيقية خاصة من تأليف أحد أعضاء الفرقة (يوسف حنون عزف القانون)، وبصراحة كانت مقطوعة موسيقية رائعة وراقية عنوانها “انعكاس”، ما جعل الجمهور يقف كاملا ليصفق بحرارة إعجابا وانبهارا وبالأداء الفني الراقي للفرقة التي تجاوبت مع مقطوعة زميلهم بحب وجمال.

وتواصل الفرقة عزفها فقدمت بعد ذلك (زوروني كل سنة مرة- سيد درويش)، (أمل حياتي- أم كلثوم)، (تعا ننسى- ملحم بركات)، (الحلوة دي قامت تعجن بالفجرية- سيد درويش)، ( زيديني عشقا- كاظم الساهر)، واختتمت بــ (ليلة لو باقي ليلة- عبد الرب إدريس).

كلمات الأغاني واسم كاتبها واسم الملحن كانت حاضرة ومعروضة على شاشة كبيرة خلف الفرقة، كي يغني الجمهور كلمات الأغاني بصوت واحد، وبدا الجمهور كأنه كورال متناغم وكأنه استعد للحفل بعد عدة “بروفات” ولا يمكن ان تصدق أنه يغني في التو واللحظة.

من جماليات الفرقة أن مؤسسها الموسيقي الشاب عبد الله أبو هدهود لا يبدو عليه السيطرة والنفوذ، فهو أحد طاقم الفرقة يسيطر عليها بتواضع جم، وابتسامة هادئة، فالكل يعزف بحب وتفاعل مع الجمهور، والكل يقدم فنه برقي وسلاسة، حتى أوقات العزف المنفرد الذي أبدع فيه كل أعضاء الفرقة كانوا جميعا يشجعون بعضهم ويهتفون لبعضهم، فالعمل الجماعي هو عنوان النجاح.

لم أشأ الكتابة بكلمات منمقة أو أتفلسف في الوصف، أحببت أن أكتب شعوري ببساطة، تماما مثلما حفلات فرقة “وتر الشرق”، التي تجري بإحساس عال وأداء راق ومحبة جمة، تشعر وأنت داخل الى الحفل أنك تدخل بيتك، كل من فيه أسرتك ومحبيك، الابتسامات تعلو الوجوه وطاقم الفرقة والعاملين معهم كل في مكانه يؤدي واجبه وعمله، فما أجمل التنظيم المنبثق عن علم حب.

شكرا لوتر الشرق لأنكم حافظتم على الرقي، على الطرب، على اللحن المفعم بالإحساس، على الكلمات الجميلة، على العزف المتقن، على بث روح الجمال بين أروقة المسرح وبين مقاعد الجمهور.

بقي أن أذكر أسماء أعضاء الفرقة الذين شاركوا في الحفل وهم:

سعيد العلي (بيانو)، عبد الله أبو هدهود (عود)، يوسف حنون (قانون)، ناجي العلي (كمان)، بشار حمودة (كمان)، حسام بسيس (إيقاع)، وسام الظاهر (إيقاع).

إنها فرقة اسم على مسمى، وتر الشرق، تقدم لجمهورها وجبة دسمة من النغمات والمقامات المشبعة بعبق الشرق وسحره.

فرقة تستحق ان نراها في المهرجانات المحلية الكبرى بل وفي المهرجانات العربية الكبرى ايضا، فهي مؤهلة لذلك وعن جدارة.